1_ وسيلة لِكفالة الأمان للمُؤمَّن له:
من أبرز وظائف التأمين أنَّهُ يُقدِّمُ للإنسان المُؤمَّن له الأمان الذي يرغب في الحُصول عليه ضدَّ ما قد يلحقه من الأخطار التي تُهدده في نفسه أو في ماله، والذي تدفعهُ إليه غريزته الأساسية. وهذا الأمان الذي يكفله التأمين يوجد في كافَّة أنواعه، سواء في التأمين من الأضرار أو تأمين الأشخاص. ففي التأمين من الأضرار يؤمِّن المُؤمَّن له ضدَّ الأخطار التي قد تُصيبه في ذمَّته الماليَّة. فإذا أمَّن على ماله ضدَّ خطر الحريق مثلًا، وتحقق هذا الخطر، وجد في مبلغ التأمين الذي يُستحق له ما يُعوضه عن تلك الخسارة، وما يُمكنهُ من الحُصول على بديلٍ لِما هلك من أمواله. وكذلك الحال في تأمين المسؤوليَّة، فقد أدَّت التطورات الحديثة إلى زيادة حالات المسؤوليَّة وأسبابها، وعن طريق التأمين ضدَّ المسؤوليَّة يستطيع الشخص أن يُجنِّب نفسهُ نتائج هذه المسؤوليَّة وأن يُباشر نشاطه بحُريَّةٍ واطمئنانٍ دون خوف. والتأمين على الأشخاص يلعب دورًا كبيرًا في بث روح الأمان والطمأنينة في النُفوس، فسلامة الجسد والروح من الأُمور التي لا تدوم، ولذلك يُمكنُ للإنسان، عن طريق التأمين، أن يقي نفسه ومن يعول آثار عجزه أو موته.
وإذا كان للتأمين مثل هذه الوظيفة على المُستوى الفردي، أي على مُستوى المُؤمَّن لهُ، فإنَّ الأمان الذي يُحققهُ التأمين بالنسبة لِمجموع المُؤمَّن لهم يترُكُ آثارًا هامَّة على المُستوى الاجتماعي. فهو من هذه الناحية، ونظرًا للثقة في المُستقبل التي يبُثُها في روح المُؤمَّن لهم، يُحقق مصلحةً اجتماعيَّةً عامَّةً، فبمنحهِ الأمان للمُؤمَّن لهم يُحقق التأمين ازدهار الاقتصاد القومي، ويُصبح أداةً لِزيادة الإنتاج في المُجتمع. فهو يُؤدي إلى المُحافظة على عناصر الإنتاج خاصَّةً اليد العاملة ورؤوس الأموال. ففي التأمين على الأشخاص لا يُصبح الفرد عند تعطُله أو مرضه عالة على المُجتمع لأنَّهُ يجد في مبلغ التأمين مصدر رزقٍ له إذا كان في شكل إيراد مُرتَّب مدى الحياة، كما يُمكنهُ استثمار هذا المبلغ إذا قبضهُ دفعةً واحدة. وفي التأمين على الأشياء يؤدي التأمين إلى استبدال أشياء جديدة بالأشياء الهالكة أو التالِفة، وتكون الأولى ذات قُوَّة إنتاجيَّة تفوق تلك الخاصَّة بالثانية.
2_ وسيلة لِتكوين رؤوس الأموال:
عِند حُلول الأجل أو تحقق الخطر المُؤمَّن منه، يلتزم المُؤمِّن بأن يدفع للمُؤمَّن له مبلغ التأمين، ويُؤدي هذا المبلغ من مجموع الأقساط التي قام المُؤمَّن لهم بِدفعها، ومن هذه الناحية يُعتبر التأمين نوعًا من الادخار، وبالتحديد ادخارًا إجباريًّا، حيثُ يلتزم فيه المُؤمَّن لهُ بأن يقتطع جُزءًا صغيرًا وبصفةٍ دوريَّةٍ من دخله، يؤدّى للمُؤمِّن، مُقابل الحُصول على مبلغ التأمين عند استحقاقه. ورؤوس الأموال التي تتكوَّن لدى شركات التأمين من مجموع أقساط المُؤمَّن لهم لها أهميتها بالنسبة للمُؤمَّن لهم وكذلك بالنسبة للاقتصاد القومي. فبالنسبة للمُؤمَّن لهم تُمثِّلُ هذه الأموال المُتجمِّعة لدى شركات التأمين ضمانًا لاستيفاء حُقوقهم من قبل هذه الشركات. لِذلك يُلزم القانون شركات التأمين بِتكوين احتياطات لديها تُمثِّلُ إحدى ضمانات الوفاء بالتزاماتها، وتقوم شركات التأمين باستثمار ذلك الاحتياطي، بما يُحقق في النهاية مصلحة المُؤمَّن لهم. وعلى مُستوى الاقتصاد القومي، تلعب رؤوس الأموال التي تتكوَّن لدى شركات التأمين دورًا هامًا في تنميته وازدهاره. فشركات التأمين تُزوِّد الاقتصاد القومي بِرؤوس الأموال التي تتكوَّن لديها وذلك باستثمارها في المشروعات التي تعود بالنفع على أفراد المُجتمع، كما يُمكنُ إعطاء هذه الأموال للدولة أو للأشخاص العامَّة في شكل قُروض تُساعدها على تحقيق أهداف التنمية الاقتصاديَّة.
3_ وسيلة للائتمان:
يؤدي التأمين وظيفته كوسيلةٍ للائتمان على المُستوى الفردي وعلى مُستوى الدولة أيضًا. فبالنسبة للأفراد، يُسهِّلُ التأمين لهم الحُصول على الائتمان بوسائل مُتعددة. فالتأمين يؤدي إلى تدعيم الضمان الذي يُقدِّمهُ المُؤمَّن لهُ إلى دائنه، وبالتالي يُسهِّل لهُ الحُصول على الائتمان. فإذا رهن المُؤمَّن لهُ عقارًا أو منقولًا مملوكًا له ضمانًا لِتنفيذ ما عليه من ديون تجاه دائنه، فلا شك أنَّ من مصلحة هذا الأخير بقاء المال المرهون حتى يُمكنهُ التنفيذ الجبري عليه في حالة عدم الوفاء الاختياري من قِبل المدين. ولكن هذا المال قد يُفقد أو يُسرق أو يهلك بفعل حادثٍ مُعيَّن كالحريق مثلًا، فيضيع ضمان الدائن. فتفاديًا لهذه النتيجة كثيرًا ما يفرض الدائن على مدينه أن يؤمِّن له على الشيء المرهون، ضدَّ السرقة أو ضدَّ الحريق مثلًا، حتَّى إذا تحقق خطر من هذا القبيل حلَّ مبلغ التأمين محل الشيء المرهون، واستطاع الدائن المُرتهن أن يستوفي حقَّهُ من مبلغ التأمين. وقد يُريد الشخص الحُصول على ائتمان ولم يكن لديه مالٌ يُقدمه للدائن كضمان، وإنَّما كان يعتمد على عمله ومجهوده في سداد الدين، فإنَّهُ يُمكنهُ، لكي يُشجع الدائن على منحه الائتمان أن يُبرم عقد تأمين على حياته لِصالح الدائن بحيثُ إذا توفي المدين قبل سداد الدين فإنَّ الدائن يستوفي حقَّهُ من مبلغ التأمين. كما أنَّ هُناك التأمين من إعسار المدين أو تأمين الائتمان، وبمُقتضاه يستطيعُ الدائن أن يؤمِّن نفسهُ من خطر إعسار المدين فيضمن لِنفسهِ عن طريق عقد التأمين استيفاء ما لا يستطيع اقتضاءه من المدين.
وفي التأمين على الحياة يستطيع المُؤمَّن لهُ أن يُرهن وثيقة التأمين ويُقدِّم هذا الرهن ضمانًا للوفاء بِدُيونه لِدائنه، حيثُ يكون لِكُلِّ وثيقة تأمين على الحياة قيمة ماليَّة في ذاتها بعد دفع عددٍ مُعيَّنٍ من الأقساط، بحيثُ يستطيع المُستفيد من هذه الوثيقة أن يقترض الأموال من الغير بِضمان هذه الوثيقة، وعند عدم الوفاء بالدين يستطيع الدائن أن يحصل على حقه من قيمة الوثيقة. بل ويستطيع المُؤمَّن له أن يقترض من المُؤمِّن نفسه بِضمان وثيقة التأمين، فإذا لم يوفِ للمدين يخصم المُؤمِّن الدين من المبلغ الذي يستحقه المُؤمِّن له أو المُستفيد بِموجب عقد التأمين. وبالإضافة إلى ما سبق، فإنَّ التأمين يُعتبر وسيلة ائتمان بالنسبة للدولة وفروعها، التي تجد في رؤوس الأموال المُتجمَّعة لدى شركات التأمين من الأقساط المدفوعة واحتياطاتها مصدرًا هامًّا للاقتراض عن طريق السندات التي تُصدرها الدولة أو الأشخاص العامَّة، والتي تقوم بشرائها شركات التأمين.
4_ عامل وقائي:
رُغم أنَّ الهدف المُباشر للتأمين هو تعويض المُؤمَّن لهُ عن الخسائر التي تلحق به، إلَّا أنَّ التأمين يؤدي دورًا هامًّا آخر بطريقةٍ غير مُباشرة هو الوقاية من المخاطر والعمل على تقليل نسبة وُقوع الحوادث عن طريق تلافي أسبابها، والعمل على تجنُّب وقوعها، بحيثُ أصبح عاملًا من عوامل الوقاية في المُجتمع. ويؤدي التأمين هذا الدور الوقائي بِوسائل مُتعددة. فشركات التأمين، رغبةً منها في حصر مبالغ التعويض في أضيق الحدود، تعمل بِطُرق مُتعددة على التقليل من نسبة وُقوع المخاطر المُختلفة ووقاية المُؤمَّن لهم منها. ولِتحقيق ذلك كثيرًا ما تلجأ شركات التأمين لِتكوين جمعيَّاتٍ مُشتركةٍ بينها بِقصد دراسة أسباب المخاطر واتخاذ الاحتياطات الكافية لِتوقي وُقوعها. وهي في سبيل ذلك تقوم بالاستعانة بالخُبراء والأخصائيين لِزيارة المصانع والمنازل لِتوعية العُمَّال والمُواطنين وإرشادهم إلى طُرق الوقاية من الحوادث وتقليل نسبتها، كما تستعين في ذلك بإرسال النشرات التي تُبيِّن الوسائل الفنيَّة في مُكافحة الحرائق أو مخاطر العمل. وبالنسبة لِحوادث المُرور فكثيرًا ما تشترك شركات التأمين مع غيرها من الهيئات المعنيَّة في التوعية بِقواعد المُرور والدعوة إلى اتباعها وبيان مخاطر عدم الالتزام بها. كما تلجأ الكثير من شركات التأمين إلى وسائل مُتعددة لِتشجيع المُؤمَّن لهم على مُراعاة الحيطة وتفادي وُقوع الخطر المُؤمَّن منه. من ذلك إنقاص قسط التأمين في حالة عدم تحقق الخطر خِلال مُدَّة مُعيَّنة. فمثلًا في التأمين على السيَّارات إذا مضت عدَّة سنوات على المُؤمَّن لهُ دون أن تقع فيها حوادث فإنَّ الشركة في السنة التالية تُخفِّض لهُ القسط بنسبةٍ مُعيَّنة أو تُعفيه من بعض الأقساط مُكافأةً له. وقد تلجأ شركات التأمين في هذا الصدد إلى أن تُحمِّل المُؤمَّن له نسبةً من الخسارة وذلك دفعًا لهُ على الحرص والتروّي، وحتَّى يشعر بالخِسارة التي قد تلحق به إذا أهمل في قيادة السيَّارة مثلًا أو في اتخاذ إجراءات وقاية منزله أو مصنعه من الحريق. وتلجأ بعض الشركات في سبيل تحقيق هذا الهدف إلى إشراك المُؤمَّن لهُ في الربح الذي تُحققه الشركة ممَّا يُشجعه على أن يكون حريصاً على تجنُّب وقوع الحوادث.