*لم يتوصل الباحثون في تأريخ التأمين إلى معرفة زمان ومكان بدايته وظهوره على وجه التحديد ولكن إجماعهم مُنعقد على أن أقدم أنواع التأمين وأولها هو التأمين البحري.

*ويقول الأستاذ فكتور دوفر في كتابه التأمين البحري أن بعض الكُتاب قد حاولوا أن يلتمسوا أصل فكرة التأمين من الماضي البعيد حتى أن أحدهم استقى الفكرة من الكتاب المُقدس فقال أن فرعون مصر قد ابتكر فكرة التأمين عندما طلب من يوسف أن يختزن من الغلال في سنوات الرخاء ما يسد الحاجة في سنوات القحط فأعتبر هذا أصلاً لفكرة التأمين، ولكن هذا القول يعد مُغالاة في محاولة الوصول إلى أصل فكرة التأمين.

*والحق أن التأمين البحري يجد أصله فيما عُرف قديماً باسم القرض على السفينة Loan On Bottomary الذي مارسه تُجار مناطق البحر الأبيض المتوسط ويجري تقديم أحد التجار لصاحب السفينة في مقابل رهنها قرضاً يُسدد إليه مع فائدة كانت باهظة إذا ما وصلت السفينة سالمة إلى الجهة المقصودة وبعكسه يضيع القرض على صاحبه، ولقد تعددت وتنوعت من بعد ذلك أمثال هذا القرض وقُدمت لضمان البُضاعة والسفينة معاً أو لضمان أحداهما ويُسمى إذا ما كان لضمان البُضاعة وحدها  Respondentia أي القرض على البُضاعة.

*وإن الفرق بين عقد القرض هذا وبين عقد التأمين واضح ولا شك إذ أن عملية القرض هذه لا تقوم على أساس توزيع عبء الخطر Riskبل على أساس المُقامرة والرهان ومحض الصُدفة والاحتمال والحظ ويتم بها نقل العبء من جانب إلى آخر دون توزيعه.

*ويرجع البعض نشوء التأمين إلى عام 916 قبل الميلاد حيث صدر في رودس أول تشريع يبحث في الخسارة العامة General Average، وهي الخسارة التي تنشأ عن التضحية التي يقوم بها ربان السفينة بإلقاء بعض البضائع في البحر بقصد السلامة العامة، ولذا يجري توزيعها على جميع الشُحنات بما فيها الشُحنة المُضحى بها والسفينة حيث أن الجميع يستفيدون من تحقق هذه السلامة.

*ولقد كان تشريع رودس المذكور يقضي بتوزيع الخسارة عن إلقاء قِسم من بُضاعة السفينة في البحر لتخفيف حمولتها على أطراف الرسالة البحرية. ولقد اعترف هذا التشريع بأن نصه الخاص بالخسارة العامة ما هو إلا تسجيل لعادات التجار المُتعارف عليها آنذاك.

*ومنذ ذلك العهد السحيق في القِدم وإلى الآن ومبدأ الخسارة العامة مبدأ سائد في وثائق التأمين البحري وهو قد زاد مع الزمان وضوحاً وأهمية.

*وأن التأمين كعملية تقوم على توزيع عبء الخطر عُرف في نهاية القرن الثاني عشر حيث مارسه جماعة اللومبارديين سكنة المُدن الشمالية في إيطاليا المعروفة باللومبارد ومنها فلورنسا وجنوا حيث كانت المُدن المذكورة مركزاً هاماً للتجارة ومن ثُم للتأمين البحري. ولقد مارس هؤلاء أعمال التأمين في مُدنهم كما مارسوها في فرنسا وكانوا أول من أمن على البضائع واستوفوا مُقابل ذلك قِسط التأمين Premium.